النص الكامل لقصيدة الأرض الخراب - توماس ستيرانز إليوت - ترجمة محمد عبدالحي السيد يوسف

قصيدة الأرض الخراب ، قصيدة ما أن تقرأها إلا وتسكنك كعفريت .. ثم تتمثل لك في كل شارع تسيره ، و كل وجه تلمحه ... فاستحقت - ولا شك - أن تكون قصيدة القرن العشرين .
قرأتها مرات فظننت أني استوعبتها ، لكن وعندما قرأت "مسخ الكائنات" للشاعر أوفيد .. لم يعد فيها شيئا كما كان . و الآن .. لا أستطيع إلا أن أتخيل إليوت واضعا يديه في خصره ناظرا لأوفيد بابتسامة ساخرة و هو يقول : إن كنت تكلفت عناء كل هذا من آلهة و أبطال و حوريات و مسوخ لتصنع للكون أسطورته .. فها هي الأساطير تحدث كل يوم في الطريق ، و أكثر!

٢٩ يونيو، ٢٠٠٨

الكرسي الذي جلست عليه فبدا كالعرش الوضـَّاء

تألق على الرخام

بينما المرآة قد رُفعت على حوامل نـُقشت عليها سوق نباتات مثمرة

أطل من بينها كيوبيد ذهبي يختلس النظر

و آخر يخفي عينيه بجناحه

فضاعفت المرآة شعلات الشمعدان السباعي

و عكست الضوء على الطاولة

فهب ألق الحـُليّ لاستقباله

متدفقا بسخاء من حقائبها الساتانية

و في قوارير من العاج و الزجاج الملون

- كمنت عطورها الغريبة المركبة – بلا سدادة

معجونة ، أو مطحونة ، أو سائلة ..

عطور قلقة ومختلطة

تغرق الحواس في الروائح

التي يحركها الهواء المتجدد الذي تبعثه النافذة

تلك الروائح المتصاعدة تمتزج بلهب الشموع

الذي يزداد استطالة ويلقي بدخانه بين الأثاث

مستثيرا لتلك الرسوم التي تجعل السقف يبدو كصندوق للتحف


أخشاب البحر الضخمة المطعمة بالنحاس

- ذات اللون الأخضرالمحروق و البرتقالي -

حُفت بالأحجار الملونة

وفي هذه الأضواء الحزينة

كان الدلفين المحفور عائما

و فوق رف المدفأة الأثري

كان يبدو

و كأن نافذة قد فُتحت على المشهد الهمجي

"مسخ فيلوميلا على يدي الملك البربري" #12


حقا .. لقد اغتصبت بفظاظة

و برغم ذلك

كان العندليب يملأ الأرض بصوته الذي لا يستطيع أحد اغتصابه

وتستمر هي في الصراخ

ويستمر العالم في تشويشه " جوج .. جوج" #13 على الآذان القذرة


كل هذا

و غيره من هشيم الزمن الذابل

كان يحكى على الجدران

و تلك الأشياء المحملقة الموضوعة بعناية

أو المركونة هناك

كلها كانت تبعث الهدوء الموحش في أرجاء الغرفة

ليست هناك تعليقات: